وصف الراحل سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر المجيدة في مذكراته الشيخ حافظ سلامة ، إمام وخطيب مسجد الشهداء، بقوله: " إنه الرجل الذي اختارته الأقدار ليؤدي دورًا رئيسيا خلال الفترة من 23 - 28 أكتوبر عام 1973 عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خططه من أجل احتلال المدينة الباسلة".. كان هذا منذ 38 عاما.. ومنذ أكثر من 60 عاما أعلنه المصريون بطلاً من أبطال المقاومة الشعبية للاحتلال الإنجليزي.. ومنذ أيام وصفته وكالات الأنباء العالمية بأنه الكهل الطاعن في السن الذي كان يزود ميدان التحرير بالوقود الذي يحتاجه ليحافظ علي جذوة الثورة مشتعلة ، وذلك من خلال قيادته، وهو في هذه السن، شباب الثورة في السويس في استفتاء شعبي !! <<
عندما وِلَدَ الشيخ حافظ علي أحمد سلامة، بالسويس في 6 ديسمبر 1925 أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، كان حافظ الرابع لوالده الحاج علي سلامة الذي كان يعمل في تجارة الأقمشة. وبدأ حافظ سلامة الصغير تعليمه الأزهري في سن مبكرة ، قبل أن يعمل في الأزهر واعظًا، ثم مستشارًا لشيخ الأزهر قبل إحالته للتقاعد في عام 1978 ثم متفرغا للوعظ والإرشاد حتي عام 2011 .
وما بين عام ولادته 1925 وعام تزعمه لثورة السويس في عام 2011 الكثير والكثير، الذي يمكن أن يُروي، وتمتلئ به عشرات الكتب، وكان لقبه في الصحافة العالمية " قائد المقاومة الشعبية في السويس "، وهو نفس اللقب الذي حمله مرات عدة من قبل ، حتي التصق به تاريخياً !
فما أن بلغ عامه التاسع عشر حتي شاءت أقداره أن تندلع الحرب العالمية الثانية بين قوات المحور "ألمانيا وإيطاليا واليابان" وقوات الحلفاء " أمريكا وحلفائها الأوربيين ومعهم روسيا "، أصبحت السويس إحدي مناطق الصراع بين القوتين، وكانت مصر واقعة تحت الاحتلال الانجليزي آنذاك، مما أدي إلي ذهاب عائلة سلامة للقاهرة، بينما أصر هنا علي البقاء للعمل، وتوفير نفقات الأسرة وإرسالها لها .
وفي تلك الفترة، بدأ سلامة الشاب في تزويد المقاومة الفلسطينية بحجارة الولاعات التي تستخدم في صناعة القنابل اليدوية لاستخدامها ضد المحتل، فقبض عليه في إحدي المرات وحوكم بالسجن 6 أشهر ولكن تم الافراج عنه بعد 59 يوما بعد وساطة من أحد أمراء العائلة المالكة في مصر بفعل تشكل ضغط شعبي سويسي للدفاع عنه.
أول فرقة فدائية
ثم انضم الشاب المفعم بالوطنية إلي جماعة " شباب محمد " التي أنشأها مجموعة من الأشخاص المنشقين عن الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة عام 1948 وشارك الشيخ حافظ من خلال تلك الجمعية في النضال الوطني في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي، وبعد انضمامه بفترة قصيرة أُعلن قيام دولة إسرائيل، ففضل مقاومة المحتل في بلده بدلا عن السفر الذي كان ينتويه في البداية لمقاومة عصابات الصهاينة في فلسطين، فشكل أول فرقة فدائية في السويس، كانت مهمتها الرئيسية مهاجمة قواعد القوات الإنجليزية المرابضة علي حدود المدينة، والاستيلاء علي كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر.
وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 وتحديدا في الستينيات تم حل الجمعية وإغلاق صحفها علي خلفية مقالات تهاجم فيها العلاقات السوفيتية المصرية ، تم اعتقال سلامة لمدة 15 سنة، وكان يقضي عقوبته في العنبر رقم 12.
وعقب الإفراج عن الشيخ حافظ سلامة في ديسمبر في عام 1967 اتجه إلي مسجد الشهداء بالسويس، وأنشأ جمعية الهداية الإسلامية، وهي الجمعية التي اضطلعت بمهمة تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد إسرائيل في حرب الاستنزاف منذ عام 1967 وحتي عام 1973. تعد قيادة الشيخ حافظ سلامة لعمليات المقاومة الشعبية في مدينة السويس بدءًا من يوم 22 أكتوبر 1973 هي المحطة الأهم في حياة سلامة، حيث تسللت إسرائيل إلي غرب قناة السويس في منطقة "الدفرسوار" القريبة من الإسماعيلية بهدف حصار الجيش الثالث الميداني بالضفة الشرقية للقناة وتهديد القاهرة واحتلال مدينة السويس بإيعاز من " الأمريكان " حتي تجد ما تفاوض عليه في اتفاقية وقف إطلاق النار، وأسلمت القيادة الإسرائيلية هذه المهمة إلي الجنرال أدان الذي وجه إنذار إلي محافظ السويس بالاستسلام أو تدمير المدينة بالطيران الإسرائيلي، ولكن الشيخ سلامة ومعه عدد من القيادات الشريفة المجاهدة، ومعه جميع أبناء المدينة قرروا رفض تسليم المدينة واستمرار المقاومة مهما كانت الظروف، ووقف الشيخ حافظ سلامة علي منبر مسجد الشهداء ليعلن بدء عمليات المقاومة.
ضبط إيقاع الميدان !!
وتعرضت المدينة لحصار شديد من القوات الإسرائيلية وقصف مستمر من الطائرات وتقدمت إلي المدينة 200 دبابة وكتيبة من جنود المظلات وكتيبتين من جنود المشاة بعربات مدرعة، واقتحمت مبني قسم شرطة الأربعين وحاصرته بدباباتها ومدرعاتها إلا أن سلامة ورجال المقاومة تصدوا لها مع عدد من رجال القوات المسلحة في معركة دامية، كانت نتيجتها تدمير جميع دبابات العدو ومدرعاته التي اقتحمت المدينة، وسقوط عدد من رجال المقاومة شهداء قبل اندحار القوات الإسرائيلية عقب أكبر هزيمة لمعركة الدبابات حيث فقدت إسرائيل فيها 76 دبابة ومصفحة بأسلحة المقاومة.
هذا هو الشيخ حافظ سلامة الذي انضم إلي المتظاهرين، وراح يشحذ همتهم، ويشد من أزرهم، ويوحد صفوفهم، وبعد هجوم مافيا النظام علي ميدان التحرير، رفع وتيرة الثورة ، حتي يثبت الميدان ، ويعيد تنظيم صفوفه.
ولم يكن غريبا علي قائد عجوز قاوم الاحتلال الإنجليزي في شبابه أن يشكل وينظم مجموعات اللجان الشعبية، لحماية منشآت السويس العامة بعد هروب الشرطة، من النهب والسرقة، وحماية الشوارع والمنازل بعدما انطلقت فلول البلطجية علي الأهالي في مساكنهم ومحلاتهم التجارية.
كما استغل الثعلب العجوز علاقاته بتجار السويس والمحافظات المجاورة وتمكن من تجميع 5 أطنان من الدقيق لمخابز السويس بعد اختفاء الخبز عمدا للضغط علي المقاومة، وشكل من أبناء السويس مجموعات لتوزيع الخبز مجانا علي المناطق المتطرفة بالمدينة، وقام بتوفير كميات من الخضراوات بأسعار زهيدة.
وهتف الشيخ ضد النظام الحاكم، مطالبا أبناء السويس بالمثابرة والصمود، مؤكدا أن هذه الوقفة التاريخية ستظل محفورة في ذهن كل مصري استطاع أن يتغلب علي الفساد.
وقد انطلق حافظ نحو ميدان التحرير بالقاهرة في "جمعة الغضب"، ليشارك شباب التحرير في ثورتهم قائلا: " إن الوقت حان لمحاسبة النظام القمعي علي الجرائم التي ارتكبها ضد شعب مصر".
ووجه الشيخ حافظ سلامة أيضا رسالة إلي كل الحالمين بالسلطة في مصر الآن، مؤكدا لهم أن من صنع هذه الثورة هم شباب مصر وشهداؤها، الذين سهروا الليل من أجل حرية بلدهم وان هؤلاء الشباب لن يسمحوا لأي أحد أن يتاجر بثورتهم، التي ستتم بنجاح بالرغم من مؤامرات الطغاة.
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!