آخر الأخباراخبار مصر › مذكرات رأفت الهجان بخط يده: «موشيه ديان في منزلي» (ح 14)

صورة الخبر: رفعت الجمال
رفعت الجمال

في يوم كهذا قبل 34 عامًا، كان يرقد في سريره ينتظر الرحيل، يكتب بأصابعه المريضة آخر الكلمات عن حياته، تلك التي حفلت بكثير من المغامرات والأسرار التي لم تكن سوى لعبة، بل أخطر ألعاب الدنيا، لم يختر هو أن يلعبها، بل فُرضت عليه، لكنه أتقنها حتى أصبح ملكها، إنها لعبة الجواسيس التي قادته من قلب القاهرة لقلب تل أبيب، ليصبح عينًا لا تنام، تراقب كل شيء وأي شيء في أرض العدو، ويصبح أهم «قطعة» للمخابرات المصرية في لعبة شطرنج، ربما لن تنتهي أبدًا، بينها وبين الموساد، إنه جاك بيتون، أو رفعت الجمال، أشهر جاسوس في تاريخ مصر، إنه من تعرفه أنت باسم «رأفت الهجان».

«المصري لايت» تنشر مذكرات الجاسوس المصري رفعت الجمال على حلقات، كما كتبها هو بخط يده، وحسب روايات زوجته، «فولتراود الجمال»، التي نشرتها في كتاب يحمل اسم «قصة الجاسوس المصري رفعت الجمال.. 18 عامًا من الخداع لإسرائيل»، الصادر عن «دار الأهرام للترجمة والنشر»، عام 1994، وذلك بمناسبة ذكرى وفاته في 30 يناير 1982.

عاد رفعت الجمال إلى إسرائيل بعد رفض طلب إعفاءه من المهمة بعد زيارة قصيرة إلى القاهرة، ليروي ما حدث بعد ذلك قائلًا: «كان الموضوع الهام الذي استطعت أن أبلغه إلى ميلانو هو أن إسرائيل تبني مفاعلًا نوويًا، وسرعان ما شاع الأمر، غير أن إسرائيل أنكرت اعتزامها إنتاج أي أسلحة ذرية، وعمدت إلى عكس الموضوع واتهام مصر بإجراء تجارب على الكوبالت، وإن كان بمقادير ضئيلة جدًا لم تسبب تفاعلًا ضخمًا. وتصاعد الضغط الدولي ضد إسرائيل، ومن ثم أرجأت فكرة إجراء تجارب على الأسلحة الذرية، ومن ثم إقامة المفاعل النووي. واستطعت، علاوة على هذا، أن أبلغ رؤسائي بأن ألمانيا تدرب العسكريين الإسرائيليين على استخدام أسلحة ذات مستوى تكنولوجي راق.

وحدث في تلك الأثناء أن تم القبض على عملاء كثيرين من الجانبين، وكلما وقعت مثل هذه الأحداث تملكني إحساس مزعج، وللمرة الثانية قررت أن أفاتح رئيسي في ترك العمل، خاصة وأنه لم يكن هناك شيء بالغ الأهمية يجري على الساحة. اتخذت الاحتياطات اللازمة وسافرت في يونيو 1963 إلى ميلانو عبر القنوات العادية، وحققت هذه المرة قدرًا قليلًا من النجاح على عكس ما حدث في السابق.

قيل لي إن بإمكاني أن أترك مهمتي شريطة أن ننجز هذا تدريجيًا، فليس بإمكاني أن أغادر إسرائيل وأعود إلى مصر هكذا ببساطة، وإنما يتعين علي أن أبقى باسم جاك بيتون خلال الفترة الحالية، وانسحب إلى بلد آخر يفضل أن يكون أوروبيًا. وقالوا إن العودة إلى مصر مسألة في غاية الخطورة إذ سيعثر علي الموساد وسيكون في هذا نهايتي.

حاولت أن أجادل في هذا، غير أن رئيسي أوضح لي أنهم لن يعيدوا لي هويتي الحقيقية لما يمثله هذا من خطر شديد. وحيث أنني ذكرت أن أحد الأسباب التي تحفزني إلى ترك العمل رغبتي في الزواج، فقد أخبروني بأنه لا يمكن لي تحت أي ظرف من الظروف أن أتزوج بامرأة إسرائيلية، أو بامرأة من أصل عربي في إسرائيل، إذ أن هذا يعني إضافة عامل آخر من عوامل الخطر، وقالوا لي إن كل ما يمكن أن أعمله هو أن أحيا في بلد ثالث غير إسرائيل أو مصر باسم جاك بيتون، فربما تفقد الموساد الاهتمام بي بعد فترة من الزمن، وبعد هذا يمكنني العودة إلى مصر.

أدركت أن رئيسي على حق، إما أن أواصل أو أتجه إلى بلد ثالث غير مشارك فيما يجري من أحداث، تركته بعد أن اتفقت معه على أن أواصل عملي إلى أن أهتدي إلى مخرج من وضعي الراهن، وبحث فكرة الارتباط بامرأة من أحد البلدان الأوروبية لكي أبدأ الحياة في بلد آخر، وقلت لنفسي إنهم على أقل تقدير فهموا مني هذه المرة أنني أريد أن أترك العمل، وسوف يستجيبون لي.
وعدت إلى تل أبيب وهذه الأفكار تدور في رأسي. وشرعت في الإعداد لكي أهجر عرين الأسد شيئًا فشيئًا، وبدأت سلسلة من الأسفار إلى جميع أنحاء أوروبا، وشاركت في صفقات تجارية بغية جمع قدر من المال، وأيضًا للبحث، من ناحية أخرى، عن امرأة أتزوج بها.

وفي أكتوبر 1963، سافرت إلى ألمانيا وزرت صديقي القديم هورست سومر، الذي سبق لي أن قمت معه ببعض الأعمال في مناسبات مختلفة، وأفضى إلي بأنه سيخرج في المساء مع صديقته هيلجا، وقال إن بإمكانها أن تحضر معها إحدى صديقاتها، ووافقت، حيث أنني كنت أعرف أن (هورست) حسن الذوق، فقد توقعت أن ألتقي بسيدتين جذابتين جدًا. وبالفعل كانت الفتاتان من عالم آخر، كانت صديقة (هورست) حسناء، أما أنت يا (فالتراود) فكل ما أستطيع قوله عنك إني وجدتك رائعة إلى حد لا يصدق، وقعت في غرامك منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها عيني عليك.

أذكر أول لقاء لنا وكأنه حدث بالأمس فقط. ذهبنا معًا إلى فندق (فرانكفورتر هوف) لتناول العشاء، ولم أرفع عيني عنكِ. قصصت علي الكثير عن نفسك أثناء حديثنا، وفي هذه الأثناء قررت أنك أنت ضالتي المنشودة. لم أشعر بأي غضاضة لأنك كنت متزوجة قبل ذلك، أو لأن لك ابنة من هذه الزيجة. كنت سعيدًا غاية السعادة بك. نعم، عزمت على الزواج بك بيد أنني لم أتوقع أن يتم هذا سريعًا، ولم أحلم يقينًا أنني سأحبك بمثل هذا القدر. لاحظت في تلك الليلة أن (هيلجا) وضعت عينيها علي باهتمام شديد أيضًا، وأنها شعرت بالغيرة، ولعل هذا هو السبب في أنها لم تتحدث إليك ثانية بعد أن قلت لها إني أريد الزواج بك.

ومضت سهرة المساء سريعًا، ورافقتك لبيتك في سيارة أجرة، وسألتك قبل أن تصعدي درجات السلم إذا كنتِ تريدين الزواج مني. أنا واثق من أنك تصورت أنني مجنون، بيد أنني أيقنت أنني أريدك من كل قلبي. طلبت منك أن تفكري في هذا، وأنني عازم على السفر إلى فيينا من أجل العمل لمدة عشر أيام وسوف أعود لأسمع إجابتك. لم أكن قاصدًا فيينا بل ميلانو. أردت أن أحدث رئيسي عنك، وأن يستوضح أمرك ويعطيني موافقته بشأنك. ووافق رئيسي في ميلانو على أن يتحقق من أنك لا تعملين لحساب الموساد أو المخابرات الألمانية، واستغرق بحث ذلك عشرة أيام حتى تأكدنا منك. وفرحت بالنتيجة فرحة صبي صغير في عيد ميلاده. عدت على الفور إلى فرانكفورت وفوجئت أنت بعودتي. لابد أنه راودك الظن بإنني لن أعود. واصطحبتك لتناول الغذاء وصارحتيني بأن ثمة شكوكًا تساورك من ناحيتي. واستغرق الأمر بعض الوقت ثم أقنعتك أخيرًا، وذهبنا معًا لمقابلة ابنتك أندريا وأمك.

كم كانت ابنتك الصغيرة حلوة، ولقد أحببتها كثيرًا منذ اللحظة الأولى، أحسست كأنها طفلتي أنا. وكانت أمك سيدة عذبة ساحرة ارتحت إليها منذ البداية، وبعد ذلك أحببتها كثيرًا. كان لها قلب حنون لم أر مثله حنانًا وعطفًا. أما أبوك فلم تعجبه الفكرة، غير أنني كنت على يقين من أنني مع الزمن سوف أقنعه وسوف أجعله يرضى بي.

واصطحبتك على الفور إلى باريس، وتذكرين أنني تركتك وحدك في الفندق لمدة ثلاث ساعات في اليوم التالي لوصولنا، كان لابد أن أقابل رجل الاتصالات. أردت أن أخبره بما خططته لمستقبلي في هذه الفترة، حسبما أراد أن يعرف رئيسي ومركز القيادة في القاهرة. قضينا وقتًا جميلًا في باريس واستمتعت بكل لحظة معك، وسافرنا من هناك إلى تل أبيب، وعرفتك هناك بجميع أصدقائي. أحبوك وأعجبوا أيما إعجاب بجمالك، وتذكرين أن موشيه ديان نفسه أتى إلى البيت ليقابلك ليرى بنفسه (الغلطة التي ارتكبتها)، وكنت أضحك أنا و(ديان) مرات ومرات كلما فكرنا فيما حدث، فلقد أخبرني بأنك عندما رأيتيه لأول مرة ارتسمت على وجهك تعبيرات غريبة مضحكة.

وعشنا وقتًا طيبًا في إسرائيل، واصطحبتك في جولات لتشاهدي البلد والمدن. وأرسلت في هذه الأثناء بطاقات بريدية إلى (أسرتي) في فرنسا. ولم يكن هذا سوى روتين لإبلاغ ما لدي من معلومات، ولعلك تفهمين الآن لماذا لم أصطحبك يومًا لمقابلة (أسرتي) في فرنسا. واعتدت كلما سألتينني عنهم أن أقول لك إن علاقتي بهم سيئة.

ومضت بنا الأيام ولا شيء يبهجني في حياتي سواك. بقينا في إسرائيل حتى آخر ديسمبر 1963 ثم سافرنا إلى ألمانيا لقضاء بعض الوقت مع (أندريا) وأبويك. كان وقتًا رائعًا حقًا، وزاد حبي لـ(أندريا) مع كل لحظة، وبدأ أبوكِ يرتاح إلي ويثق بي. واشتريت لكِ في ألمانيا سيارة وشحناها إلى إسرائيل حتى يتسنى لكِ التنقل داخل المدينة بصورة أفضل».

المصدر: المصري اليوم

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على مذكرات رأفت الهجان بخط يده: «موشيه ديان في منزلي» (ح 14)

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
74769

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

تابع وشارك ثورة 25 يناير على صفحتك في فيسبوك وتويتر الآن:

أخبار مصر الأكثر قراءة

كل الوقت
30 يوم
7 أيام