تستعد القوات الدولية للخروج من أفغانستان بعد حرب استمرت لأكثر من عقد هناك، في الوقت الذي تتمتع فيه حركة طالبان بحضور قوي في أجزاء من البلاد.
وتمكن طاقم عمل برنامج بانوراما في القناة الأولى من بي بي سي من الدخول إلى أحد معاقل الحركة، والذي يبعد مسيرة ساعة من العاصمة الأفغانية كابول.
وانتقل فريق العمل في رحلته إلى هناك عبر طريق ترابية في وادي تانغي الجبلي على بعد 97 كيلومترا جنوب غرب كابول.
تقع هذه المنطقة في إحدى المقاطعات التي تسيطر عيلها طالبان، إذ يعتبر هذا الوادي كمدخل إلى العاصمة، ومن هنا شنت الهجمات التي استهدفت كابول.
ويقع هذا الوادي ضمن إقليم وارداك، الذي شهد خلال السنوات الأخيرة أعنف المعارك بين قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" والحركة.
وبحكم عملي في تغطية الأحداث في أفغانستان لعشر سنوات وتعرضي للاختطاف ذات مرة من قبل مجموعة أخرى من مقاتلي حركة طالبان في إقليم هلمند، كنت أدرك بشكل كبير مدى خطورة هذا المكان، خاصة بالنسبة إلى الصحفيين الأجانب.
وكنت قد رتبت مقابلة مع سعيد رحمن، أحد أعضاء الحركة الذي نصب نفسه قائدا للإقليم ويشتهر هناك بلقب "الحاكم بدري"، وكان قد بدأ يشارك أثناء فترة مراهقته في قتال قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تمكنت من إلحاق هزيمة كبيرة بالحركة في عام 2001.
ويقول "الحاكم بدري" إنه سيستمر في القتال إلى أن يغادر الأمريكان البلاد، ويسعى أيضا إلى نشر الحكم الإسلامي في جميع أنحاء أفغانستان.
ويرى بدري أن طالبان ليست بحاجة إلى "فرض" رؤيتهم، بالرغم من أن العديد من الأفغان في الحقيقة يعارضون الحركة وطرقها المتطرفة.
وقال بدري: "إن الشعب الأفغاني شعب مسلم يريد حكومة إسلامية، أما الغرب فلا يرغب بوجود حكم إسلامي هنا. ونحن لا نرهب أو نقتل سوى أعداء هذه البلاد".
وكان السماح بالدخول لأحد المراسلين الصحفيين يعتبر فرصة للدعاية، لذا كان الحاكم بدري حريصا على جولة في المنطقة التي يقول إنه يسيطر عليها، واصطحبني إلى قمة إحدى التلال ليريني موقع إحدى القواعد العسكرية الأمريكية التي تركها الجيش الأمريكي منذ ثلاث سنوات.
وقال إنهم أخذوا كل شيء خلفه الجيش الأمريكي وراءه في تلك القاعدة، "حتى الأسلاك الشائكة أرسلناها إلى المقابر والمدارس والمساجد لدينا".
ومن ذلك المكان أيضا، كان بإمكاننا أن نرى الموقع الذي تعرض فيه الأمريكان لأعنف هجمة في أفغانستان عام 2011، إذ أسقطت الحركة مروحية أمريكية من طراز شينوك، الأمر الذي تسبب في مقتل 38 شخصا كان من بينهم 17 من قوات النخبة في سلاح البحرية الأمريكية "السيلز".
وكان الجنرال محمد ظاهر عظيمي المتحدث باسم الجيش الأفغاني قد أخبرني أن الجيش الأفغاني يسيطر سيطرة كاملة على إقليم وارداك.
إلا أن القوات التابعة لحركة طالبان كانت تتحرك بحرية في وادي تانغي، حتى في وضح النهار.
وقال الحاكم بدري إن الجنود الأفغان نادرا ما يجرؤون على الخروج، باستثناء أن يكونوا في مواكب مدججة بالسلاح.
كما تظهر سيطرة الحركة خاصة في المدارس بمنطقة وادي تانغي.
ففي مدرسة الإمام أبو حنيفة، يوجد هناك ما يقرب من 50 معلما و1400 طالب. وتؤكد حركة طالبان على أن العلوم الدينية تشكل أساس المناهج الدراسية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدرسة التي تعمل لصالح أجندة طالبان يجري تمويلها من قبل الحكومة الأفغانية في كابول، في حين أن أغلب ميزانية التعليم في الحكومة ترد من الغرب، بما فيها بريطانيا.
ولم تقع أعيننا على أي بنات في المدرسة، أو بالأحرى في أي مكان آخر في المنطقة بأسرها.
وتصرح حركة طالبان رسميا بأن سياستها سيئة السمعة بمنع تعليم البنات أصبحت أقل تشددا، إلا أن محمد سالم مدير المدرسة اعترف لنا صراحة بأنه لا توجد مدارس للبنات في المنطقة، كما لا توجد خطط لإنشاء أي منها.
وعندما كانت حركة طالبان في الحكم في أفغانستان، كانت تعمل على تطبيق أحكام الشريعة بصرامة، وذلك لا يزال يحدث في المناطق التي تسيطر عليها الحركة.
وفي وادي تانغي، أقيمت في أحد البساتين جلسة للحكم في نزاع حول إحدى الأراضي، وكان الحاكم بدري حاضرا بصفة القاضي والمحلف.
وقال: "بعون الله، ستكون أحكامنا أسرع بكثير من أحكام المحكمة العليا في كابول، وعندما نصدر حكما، فإنه ينفذ ولا تكون الأطراف بحاجة إلى استئناف أمام محكمة أعلى رتبة".
من ناحية أخرى، يرى الحاكم بدري أن أعضاء حركة طالبان "يضحون بأنفسهم ويقدمون الدماء والشهداء" في قتال القوات التي تقودها الولايات المتحدة من أجل الشريعة والحكم الإسلامي.
وكان على مقربة مني صبي يلعب ببندقية كلاشنكوف، وعندما سألته عما سيفعله بها، أجاب: "أطلق النار على الناس،" ليضيف والده أنه يأمل أن يصبح ابنه "مجاهدا حقيقيا".
ويعتبر الحاكم بدري أحد أكثر الشخصيات المطلوب القبض عليها في المنطقة، ويقول إن القوات الخاصة الأمريكية شنت العديد من الغارات لقتله أو اعتقاله، كما أنه استهدف كثيرا بهجمات من طائرات بدون طيار.
وأضاف أن آخر هجمة أخطأته كانت على مقربة نصف متر، وتسببت في إصابته بالصمم في إحدى أذنيه.
انضم سعيد رحمن أو "الحاكم بدري" (يسار) أثناء مرحلة المراهقة لحركة طالبان لمواجهة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة
قال مسؤولون إن المنطقة لا توجد بها مدارس للبنات، وليست هناك خطط لإنشاء أي منها
يقيم طالبان بعض جلسات الاستماع القضائية داخل البساتين
يقول عسكريون إن نقاط ضعف طالبان العسكرية تتمثل في لجوئهم إلى الألغام والمتفجرات والهجمات الانتحارية، وأنهم لا يمتلكون القدرة على شن هجمات واسعة النطاق
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!