آخر الأخباراخبار مصر › أسرار جديدة حول وفاة عبدالحكيم عامر

صورة الخبر: عبدالحكيم عامر
عبدالحكيم عامر

رغم مرور أكثر من أربعين عاما علي وفاة كل من المشير عبدالحكيم عامر 14 سبتمبر 1967 والرئيس عبدالناصر 28 سبتمبر 1970..

إلا أن حقيقة العلاقة بين الرئيس والمشير ظلت محل جدل بين السياسيين والباحثين حول طبيعة هذه العلاقة، وكيفية نهايتها؟! هناك من يري أنها كانت علاقة تحدت المستحيل ومن يقول كانت علاقة رئيس بقائد الجيش، لكن الواقع المرير يؤكد أنها كانت علاقة المصالح التي نمت وترعرعت علي جثة الوطن، وحصدت مصر بسببها الفشل تلو الفشل.. ولكننا نؤكد علي صفحات «الوفد» أن عبدالحكيم عامر كان شماعة عبدالناصر الذي علق عليها أخطاءه السياسية حيث كان يصدر القرار ونتيجته تكون كما تكون ويترك تبعاته يتحملها «عامر» راضي غير غاضب أو متذمر من منطلق الصداقة والشهامة والعمودية التي كانوا يصفونه بها، حدث هذا في أخطاء الانفصال عن سوريا وحرب اليمن وأخطاء لجان تصفية الإقطاع وحوادث «كمشيش» و«كرداسة» وتعذيبات السجن الحربي وصولا الي هزيمة 5 يونية التي أنهت الصداقة بوصولها الي طريق الدم.

والمؤكد أنه أصبح في تاريخ مصر حدثا يلتف حوله الغموض الكثيف والجدل الشديد وهو وفاة المشير «عامر» شريك «عبدالناصر» في الثورة والسلطة.. ورغم أهمية الشخصية وخطورة الحدث مازالت التساؤلات تطرح هل كان مجرد حادث انتحار؟ كما أشاع الطرف الرسمي للدولة والذي كان بيده السلطة والأجهزة الأمنية والإعلامية وجميع مؤسسات الدولة!! وكان حاضرا الوفاة بل تمت والمشير كان بين أيديهم يتحفظون عليه! أم تمت الوفاة كما يراها الطرف الآخر بأنها جريمة قتل مكتملة الأركان مع سبق الإصرار والترصد؟ ومازالت الحقيقة غامضة ومتضاربة بين شد وجذب، وبين شهود نفي «للوفاة» وشهود إثبات «للانتحار»، ورغم كثرة الصراعات بين هذا الطرف وذاك إلا أن أحداث هذه الواقعة مازالت مشوشة، وكثير من حقائقها لايزال غائبا عن الشعب المصري.

تمر الذكري السابعة والأربعون علي وفاة المشير عبدالحكيم عامر 14/9/1967، الرجل القوي في نظام «عبدالناصر» حيث كان القائد العام للقوات المسلحة ونائبا للرئيس سياسيا وعسكريا، بل كان الرجل الثاني في مصر قولا وفعلا بعد «عبدالناصر» ورفيق السلاح والكفاح.

ومع هذا مازالت وفاته لغزا من الألغاز لأنها شغلت الرأي العام المصري.. ومازالت!! فالإعلان الرسمي للرئاسة المصرية في تلك الحقبة هو انتحار القائد العام للجيش، والنائب الأول للرئيس، والمعارضون لسياسات «عبدالناصر» ومن سموا برجال المشير من ضباط القوات المسلحة يؤكدون أن الوفاة كانت جريمة قتل مكتملة الأركان، وكل طرف يلقي ببراهينه وأدلته بكل ما أوتي من قوة للدفاع عن وجهة نظره أمام الطرف الآخر.
فهل سيستمر هذا اللغز - «الوفاة» - الي ما لا نهاية مع أن المتوفي كان من أهم الشخصيات التي ظهرت في تاريخ ثورة 23 يوليو بما قام به من أدوار خلال تنظيم الضباط الأحرار الذي أطاح بنظام الملكية في مصر وأنشأ النظام الجمهوري المصري وبما شغله من مناصب مهمة في الدولة حتي وفاته، حيث كان أهم نائب لرئيس الجمهورية في مصر؟!

طرف الدولة روج لوجهة نظره من خلال ما يملكه من أدوات تتمثل في وسائل الإعلام الرسمية والدراسات والأبحاث ووزارات الإعلام والثقافة والتربية والتعليم، وبالترغيب والترهيب، ترغيب خربي الذمم ومنعدمي الضمير والباحثين عن ذهب السلطة والتقرب اليها، والترهيب بإخراس كل صوت يخرج عن الجوقة الإعلامية ويعزف نشازا بعيدا عن السيمفونية الرسمية للنظام الناصري، الطرف الآخر اعتمد علي الهمس واللمز حتي سقوط نظام «عبدالناصر» ثم لجأ الي سلاح المذكرات الشخصية والحوارات الصحفية واللقاءات الفضائية وأحيانا بعض التقارير الطبية وشهادات بعض الأفراد الذين يطلق عليهم شهود النفي «الانتحار» والإثبات «القتل» بالإضافة الي بعض الأعمال الفنية.

دولة برأسين
في هذه الفترة كان في مصر قوتان إحداهما تتمثل في مؤسسة الرئاسة بقيادة «عبدالناصر» وتحت جناحها الإعلام والفنانون والصحافة وأجهزة المخابرات والشرطة والخارجية والاتحاد الاشتراكي من العمال والفلاحين المغلوبين علي أمرهم ولا يعرفون ماذا يدور حولهم أو يفعل بهم؟ مع أنهم مستفيدون من القوانين الاشتراكية والإصلاح الزراعي ومجانية التعليم وباقي مكتسبات الثورة التي نفذتها أو سطت عليها مثل قوانين العمال ومجانية التعليم من حكومات «الوفد» قبل الثورة ولكنها توسعت فيها بشكل كبير.

وبين قوة ثانية تتمثل في مركز القوة الفعلية التي كان يخشاها «عبدالناصر» ويترأسها المشير عبدالحكيم عامر وتتمركز في القوات المسلحة وهي القوة الضاربة الحقيقية في مصر والعالم العربي، ومعها الشرطة العسكرية والمباحث الجنائية العسكرية والبوليس الحربي والمخابرات الحربية، ولجنة تصفية الإقطاع، والاتحادات الرياضية المدنية والعسكرية وقطاع النقل العام، وهذه القوة العسكرية كانت جزءا أساسيا ومشاركا في القوي السياسية الأخري، واختلطت القوتان وتداخلتا وتشابكتا لدرجة أصبح من المستحيل انفصال إحداهما عن الأخري، فتمدينت المؤسسة العسكرية بتداخل الاختصاصات العسكرية في الحياة المدنية للمصريين، وتعسكرت الحياة السياسية تقريبا من خلال المناقشات والندوات التي كانت تدار في الاتحاد الاشتراكي حول القوات المسلحة وأصبحت مصر برأسين.. أي تدار بفكرين «عبدالناصر» و«عامر» وظهر لهذا رجال ولذاك رجال، والتعيين أصبح علي قاعدة الولاء وليس الكفاءة.. وكل طرف لا ينظر إلا للطرف الآخر.. ماذا سيقبل وماذا سيرفض؟ وكيف يرضيه وكيف يمرر ما يشاء دون إغضابه؟ فتضاربت المواقف والمصالح.. وحصدت مصر الفشل والخسائر التي انتهت باحتلال سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية لنهر الأردن.. وهزيمة ساحقة فرضت علي المقاتل المصري رغما عنه ودون إرادته لأنه لم يسمح بالقتال، ومع هذا لم يُرحم بل تم الهجوم عليه بالتشويه والاتهام بالتقصير من خلال مراكز القوي في الإعلام والاتحاد الاشتراكي ومؤسسة الرئاسة والتنظيمات السرية التي كان يطلق عليها التنظيمات الطليعية في كل مؤسسة أو وزارة داخل الدولة، في محاولة لإبعاد أي شبهة تقصير أو تقليل من القيادة السياسية وأقلها «فُجر» في الخصومة وسذاجة في الادعاء بالشائعات التي انطلقت فور الهزيمة تدعي أن المشير عامر كان مع زوجته الفنانة عندما بدأ الهجوم الجوي الإسرائيلي.

غير قابل للعزل

ورغم أن عبدالحكيم عامر من الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة وزميل سلاح لـ«عبدالناصر» وأنشأ الكلية الفنية العسكرية وأنشأ سلاح الصاعقة وقام بإنشاء المصانع الحربية ولم ينجح السوڤييت في إقامة قواعد عسكرية لهم في مصر إلا بعد موت المشير «عامر» وله المساهمة الأكبر في إعادة وإعداد الجيش المصري من حيث العدد والعتاد وأرسل البعثات العسكرية الي الشرق والغرب لإعداد القادة العسكريين، الذين شاركوا وصنعوا حرب أكتوبر فيما بعد إلا أن هذا لم يشفع له أو تذكره مراكز القوة التابعة لـ«عبدالناصر» سواء في الإعلام بواسطة محمد حسنين هيكل أو مؤسسة الرئاسة من خلال سامي شرف، بل تم الهجوم عليه والتجريح فيه وتحميله جميع الأخطاء السياسية والعسكرية لأنه كان دائما شماعة الفشل لسياسة «عبدالناصر»، و«عامر» كان يعرف ذلك ويرضي به، وأيضا «عبدالناصر» اعتاد علي ذلك بعدما أصبحت العلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية غامضة ومقلقة حيث انعزلت القيادة العسكرية من تبعيتها للقيادة السياسية بشكل شبه كامل ولم تحسن القيادة السياسية الرقابة علي القوات المسلحة بشكل جيد وإن اكتشفت شيئا سلبيا كانت تكتفي بالإشارة اليه دون المتابعة في التصويب والتصحيح!

ولم يعترف أحد بأن «عبدالناصر» حاول كثيرا إبعاد المشير «عامر» عن القوات المسلحة ولكنه لم يفلح بعد حرب 1956 ثم بعد الانفصال عن سوريا ولكنه لم يكن يستمر في المحاولة الي نهاية المشوار خوفا من سطوة «عامر» داخل الجيش مما جعل المشير مدة طويلة علي رأس القوات المسلحة فأصبح غير قابل للعزل، وكيف يعزل ولماذا؟! وهو شريك في السلطة والثورة!!

الخديعة الكبري

وبعد أن أضاع «عبدالناصر» و«عبدالحكيم» سيناء وقناة السويس، وهويا بمصر اي الحضيض، ذهب كل منهما الي منزله 3 أيام وتركا مصر تنعي حالها حتي جاء محمد حسنين هيكل وفبرك البيان الأول، و«عبدالناصر» قال للمشير عقب الهزيمة في مبني القيادة «احنا الاتنين ضحكنا علي الشعب واحنا الاتنين لازم نمشي»، واجتمع «عبدالناصر» و«عامر» و«شمس بدران» بعد صدور قرر مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، واتفق الثلاثة علي ضرورة ترك مناصبهم والمجيء بوجه جديد يتولي الرئاسة ويستطيع التفاهم مع الغرب ورشح «عامر» زكريا محيي الدين ورشح «ناصر» شمس بدران، وقال «ناصر» عن «زكريا» إنه وجه غير مقبول ولا يوافق علي ترشيحه فقال «عامر» إن «شمس» أيضا غير معروف وكيف ترشح من كان وزير حرب وخسرها؟ ووافق عبدالناصر علي ترشيح «زكريا» مع أنه كان يريد «شمس» لأنه كان مكروها شعبيا بعد الهزيمة، واتفقوا علي أن يذاع خطاب التنحي وبه استقالة «عامر» و«شمس»، ولم يشك «عامر» في أن هذا الاتفاق سيوضع موضع التنفيذ وأن ما حدث يمكن أن يكون خدعة في الوقت الذي تترنح فيه مصر تحت وطأة الضربة الإسرائيلية المباغتة، ثم ألقي عبدالناصر الخطاب في 9 يونية ولاحظ الجميع أن خطاب التنحي يتضمن وعودا ومشاريع أي ما يكذب فكرة التنحي والذي كتب هذا الخطاب كتبه بطريقة تدغدغ مشاعر الشعب، وهو محمد حسنين هيكل ولم يذكر استقالة «عامر» أو «شمس» ثم ان الخطوات التي صاحبت وأعقبت التنحي توضح مكر «عبدالناصر» بـ«عامر» و«شمس» وأنه استغل الاستقالة لصالحه لدفعهما الي الظلام، وحملهما بمفردهما نتيجة الهزيمة وصعد وحده الي القمة بناء علي طلب الجماهير.

وقبل خطاب التنحي تكاثر الناس في الشوارع وعملت السكة الحديد علي تزويد المدن بمزيد من الجماهير العاملين في الدولة وصدرت الأوامر الي منظمات الاتحاد الاشتراكي، والمنظمات التابعة لـ«سامي شرف» وعبدالمجيد فريد بالبقاء في مكاتبهم منذ صباح اليوم، ثم أطلقوا الشائعات ضد الجيش وضد المشير مثل أن الجيش جري وخاف من أن يحارب، وأن «عامر» كان بيحشش ساعة اليهود وما دخلوا سيناء لأنه حصل علي سبائك ذهب من اليهود حتي يتركهم يدخلون والطيارون كانوا عاملين حفلة رقص الي آخر هذه الشائعات.

وهكذا كان المسرح معدا للخطاب التاريخي وفور الانتهاء قام الجميع بأدوارهم.. تحرك أعضاء الاتحاد الاشتراكي لتحريض الجماهير ورددوا الهتافات وذهبت جماعة من البوليس الحربي في ثياب مدنية ومعهم حشد من الناس وهاجموا منزل زكريا محيي الدين مع أنه لم يكن يعرف شيئا عن توليه الرئاسة إلا من الخطاب.. وتم حشد اناس بجميع وسائل المواصلات من سكك حديدية وأتوبيسات الإصلاح الزراعي والقطاع العام بكل شركاته من الأقاليم الي القاهرة ثم الي منزل «عبدالناصر» تطالب بعودة الزعيم، ونجحت اللعبة وحققت التمثيلية أهدافها تماما كما حدثت من قبل مع «عبدالرازق السنهوري».

وبعد أن تأكد لـ«عامر» أن «عبدالناصر» أخل بالتعهد وأغفل إذاعة استقالته وأن الاتحاد الاشتراكي والمنظمات السرية عملت علي تحريض الجماهير لتطالب بعودة «جمال» صمم علي إذاعة بيانه وكتب بيانا وأعطاه لبعض الضباط وطلب منهم التوجه الي مبني الإذاعة والتليفزيون لإذاعته ولكن الضباط فوجئوا بفرقة مسلحة من الحرس الجمهوري تمنع إذاعة أي بيان وبناء عليه قرر المشير السفر الي قريته «اسطال» وذهب وودع «جمال».

«هيكل» يعيد «عامر» إلي حتفه

في ساحة العيد ظهرت الذئاب والثعالب وبدأت في توسيع الشقاق بين «جمال» و«عامر» وترسيخ نية «جمال» علي التخلص من المشير بأن نقلوا الي «عبدالناصر» صورة للضباط المسافرين الي «اسطال» لمقابلة المشير، ونشطت أجهزة الفريق «فوزي» و«سامي شرف» بتنظيماتها السرية ونقلوا اليه أقوالا علي لسان المشير يتحدي فيها «عبدالناصر»، ويهدد بنفيه، وكان علي «عبدالناصر» أن يستعيد صيده الشارد «المشير» وأن يعيده الي القاهرة بعيدا عن أهله فأرسل إليه «عباس رضوان» عارضا عليه أن يقبل منصب نائب الرئيس ونائب القائد الأعلي لكن بدون اختصاصات ورفض المشير أن يعود معه علي الطائرة الخاصة التي أرسلها «عبدالناصر» الي «اسطال» لعودة المشير.

ثم أرسل اليه بعد ذلك «صلاح نصر» ولكنه رفض أن يعود معه وعند وداع «صلاح نصر» طلب منه أن يبلغ «عبدالناصر» بألا يعطي أذنه الي العيال التي تلتف حوله وعودوه أن يستمع الي الأشرطة قبل النوم ومازالوا مستمرين في الوشاية والكذب وتلفيق التسجيلات.

وأخيرا أرسل «ناصر»، «محمد حسنين هيكل» الي المشير وجاء «هيكل» هذه المرة ومعه عرض جديد مشفوع بدفء الصداقة والعلاقات الأسرية ينص علي أن «عبدالناصر» علي استعداد لقبول شروط عبدالحكيم عامر وهي الإفراج عن الضباط المسجونين وإعادة من أحيل منهم الي المعاش فبدت هذه الفكرة طيبة في نظر «عامر» فعاد مع «هيكل» يراوده أمل وقف مذبحة الضباط وإبراء الجيش من كل ما نسب إليه بسبب الهزيمة وأدي «هيكل» دوره بنجاح لأنه أفلح في الظهور بصورة الصديق للرئيس والمشير والولاء للاثنين وبعد عودته مباشرة اتصل بـ«عبدالناصر» ليخبره بوصول المشير «عامر» أو بالأحري وصول الصيد لصياده حتي يجهزوا عليه ثم يقولوا «انتحر»!! ولماذا لم ينتحر يوم الهزيمة الساحقة أو يوم التنحي واكتشافه خديعة «عبدالناصر»؟ ولماذا لم ينتحر يوم العشاء الأخير في منزل «ناصر» بعدما علم قرار تحديد إقامته؟ أو عندما تعرض للإهانات علي يد «سعد عبدالكريم» و«محمد فوزي» وباقي شلة «سامي شرف» كما حكي «طارق عامر» ابن اخيه فيما بعد.

وأظهر تقرير الدكتور علي محمد دياب أستاذ التحاليل والسموم بالمركز القومي للبحوث بعد الاطلاع علي الأوراق الطبية الخاصة بحادث وفاة المشير وذلك بناء علي قرار السيد المحامي العام وبفحص التقرير الشامل رقم 124 طب شرعي لسنة 1967، تظهر بعض الحقائق وكذلك الشهادات ومنها شهادة الدكتور علي بطاطا، الذي أكد أنه خلال دوريته الساعة 10 صباح يوم الوفاة حتي الساعة التاسعة مساء كانت صحة المشير في تحسن وأن النبض والضغط طبيعيان والمشير كان يتناول قطرات من عصير الجوافة المحفوظة في علب.

وهنا يطرح «د. دياب» بعض الأسئلة التي تم تجاهلها تماما في كل الأوراق الطبية وفي التحقيقات التي جرت بعد الوفاة وهي أين كان كوب عصير الجوافة الذي كان يشرب منه المشير؟ وأين كان يوضع بين فترات استعماله؟ وكم تبقي فيه؟ ولماذا لم يحرز للتحليل إذا لم يكن تم اخفاؤه؟ علما بأن هذا الإجراء طبيعي، وأين كانت علبة العصير المحفوظة؟ ومن هو أول من فتح العلبة وملأ منها الكوب؟ وجاء أيضا في أقوال الدكتور «بطاطا» أن المشير في الساعة الرابعة كان يشكو من ألم في الأسنان وطلب «نوڤالچين» ويعقب «د. دياب» بأن من يكون في هذا الموقف فإنه نفسيا وطبيا يستحيل عليه أن يبيت النية علي الانتحار لأن هذه الفكرة تصرف عن أن يعي ألم يشعر بأي أمل في الأسنان.. فما باله وقد طلب علاجا لهذا الألم؟ بل انه قد نام بعد ذلك لمدة ساعتين بدون ألم أو قيء وذكر «د. بطاطا» أنه عاد الي المشير الساعة السادسة مساء وكان نائما نوما طبيعيا وأن التنفس والحرارة والضغط كانت في المستوي الطبيعي ولا تدل علي أي أعراض مرضية، وابتدأت من هذه الساعة اللحظات الحرجة لأنه بعد ثلث ساعة من كشفه علي المشير واطمئنانه عليه وجد المشير مغشيا عليه وممتقع اللون والنبض غير محسوس والتنفس غير منتظم، وهذه الحالة يقطع «د. دياب» بأنها أعراض سم «الأكونتين» الذي أعطي له بعد الساعة السادسة مباشرة وبجرعة لا تقل عن 2مجم.

وقال «منصور أحمد» سفرجي من رئاسة الجمهورية إن المشير كان يشرب من عصير الجوافة بالثلج نقطتين كل نصف ساعة وأنه ظهر عليه الضعف جدا اعتبارا من الساعة 12 وبالتدريج حوالي الساعة الخامسة ذهب الي دورة المياه وكان جسده غير طبيعي وعاد وسندته حتي وصل الي السرير وكان التعب ظاهرا عليه جدا.

وقال أحمد محمود مصطفي عريف مجند وممرض بمستشفي الحرس الجمهوري إن المشير لم يقبل أي شراب يوم الوفاة حتي الوقت الذي انصرف فيه الممرض الي النوم، ولكن جاء في تقرير الطب الشرعي رقم 124 لسنة 1967: إن الوفاة حدثت الساعة 6:30 مساء وأبلغ بها المحامي العام الساعة 10:45 بعد حوالي 5 ساعات ثم وصلت النيابة وكبير الأطباء الشرعيين الي الڤيللا الساعة 12:50 أي بعد حوالي 7 ساعات من الوفاة ثم وصل الجميع الي دار التشريح الساعة 5:30 من صباح اليوم التالي أى بعد حوالي 11 ساعة من الوفاة وتسلمت المعامل الكيميائية بالطب الشرعي عينات من البول والدم وباقي العينات البيولوچية من كبير الأطباء الشرعيين صباح يوم الجمعة 15 سبتمبر 1967 أي بعد حوالي 15 ساعة من الوفاة !! وجاء في التقرير أن المشير بدأ في غيبوبة خطرة الساعة 6:10 ثم توفي الساعة 6:30، وجاء الفريق محمد فوزي الي الاستراحة الساعة 7:15 ومعه العميد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري ومن أخطر ما جاء في التقرير: «في الساعة السادسة كان المشير نائما نوما طبيعيا وكان نبضه وحرارته وضغط دمه كلها طبيعية ثم توجه الي دورة المياه الساعة 6:30، ثم جاءت شهادة اللواء طبيب «مرتجي» قائد مستشفي المعادي بأنه يوم 14/9 الساعة 6 مساء اتصل به الفريق أول محمد فوزي وطلب منه طبيبا علي وجه السرعة!! فمن أبلغ الفريق أول فوزي أن يتصل باللواء طبيب «مرتجي» الساعة 6 ليخبره أن حالة المشير خطيرة؟!

شهادة أطباء المستشفي

قال رائد طبيب حسن عبدالحي إنه لم يتبين من الأعراض الإكلينيكية ما يشير الي حدوث حالة تسمم إذ إن حالة المشير العامة كانت جيدة من الناحية الطبية مثل النبض والضغط والقلب والجهاز الهضمي والعصبي ولم يوجد ما يشير وقت الكشف علي المشير الي أنه تناول مادة سامة ولكن ما لاحظه هو بعض التوتر حيث كان يدخن بشراهة سيجارة تلو أخري.

وقال عميد طبيب محمود عبدالرازق إن الفريق أول فوزي أخبره بأن هناك 3 محاولات للانتحار من المشير ولكنه غير مقتنع بجدية محاولة المشير الانتحار، كما أن المشير لم تكن تظهر عليه أعراض حالة مرضية ولم ير أن حالته سيئة بل شاهده يغادر الغرفة علي قدميه حتي وصل الي المصعد وكانت خطواته متزنة وحالته طبيعية.

وأكدت صفاء عزت ممرضة أن المشير حضر ماشيا علي قدميه وكان يضحك وغادر المستشفي ماشيا علي قدميه وقال دكتور مصطفي بيومي إن حالة المشير بعد وصوله الي الاستراحة لم يطرأ عليها سوء ولم يكن فيها ما يدعو الي القلق وأنه كان منتبها ويتكلم وكان نبضه وضغطه عاديين وأنه لا يمكنه أن يفسر حدوث الوفاة بعد 8 ساعات من انتهاء نوبته وأن العميد «سعد» والمقدم «عبدالكريم» كانا يترددان علي حجرة المشير.

والنتيجة

مما سبق لا يستطيع الباحث المنصف المدقق إلا أن يقرر أن وفاة المشير عبدالحكيم عامر لم تكن انتحارا وإنما كانت قتلا بإعطائه سم «الاكونتين» بطريقة أو بأخري بعد الساعة 6 مساء يوم 14/9/1967، وأنني أقرر مطمئنا أن هذه الوفاة جنائية مكتملة الشروط الجنائية من التعمد الي سبق الإصرار والترصد، دكتور علي محمد دياب باحث ومدرس التحاليل والسموم بالمركز القومي للبحوث.

التهديد بالإسكات الي الأبد

وينفي عبدالحكيم عامر أنه سيقدم علي الانتحار وذلك من خلال وصيته التي أكد فيها أن الانتحار هو أبعد الأشياء عن ذهنه لأنه يعتبره هروبا من المسئولية وهو يسعي الي ذكر الحقيقة من خلال محاكمة عسكرية لأنه لا يخشي من ذكر الحقيقة وفي لحظة صدق يعترف المشير بأنه كان ينبغي أن يضعوا مصير مصر في أياد تهتم بمستقبلها وتمنح الشعب حرية إبداء الرأى في مناقشة العمل والأخطاء لأنه لا يوجد قائد محصن ضد الأخطاء ويستشهد بالمثل القائل «السلطة مفسدة» ويؤكد ارتكاب العديد من الأخطاء ولكنه يري أن أكبر هذه الأخطاء هو عدم الاعتراف بهذه الأخطاء وعظمة أي قائد تتمثل في قدرته علي تحمل النقد وعدم فقد التوازن في ذات الوقت بقمع الحريات وتكميم الأفواه لأن ذلك أضعف مصر.

ويعلن أنهم حققوا الثورة نظريا ولكنهم عجزوا أن حققوها عمليا.. ويشير الي أن دافعه من وراء كتابة وصيته السياسية كان أكثر نبلا من مجرد الانتقام بل لتنوير العقول، أملا في أن يتجنب شعب مصر المآسي المستقبلية، ويقول إنه كتبها في عجالة من أمره لأنه يخشي ما يخبئه له القدر لأنه فقد الثقة في صديقه وأخيه «جمال» ولم يعد يشعر بأنه آمن منه، بعدما تلقي تهديدات بعد مطالبته بمحاكمة علنية ويؤكد أنه قبل كتابته هذه الوصية بساعتين زاره ضابط من المخابرات وهدده بإسكاته الي الأبد إذا غامر وتكلم وحينها طالبه المشير بالاتصال بالرئيس فرد عليه إذا كنت تعتقد أن صداقتك مع الرئيس سوف تحميك فأنت مخطئ وحاول الاتصال بالرئيس طيلة 3 أيام وكان يقال له إن الرئيس مشغول فكان علي يقين بأن ثمة مؤامرة تحاك ضده.. وكتب علي ورقة أخري: «إذا أتاني الموت فيكون الذي دبر قتلي هو جمال عبدالناصر الذي لا يتورع الآن عن أي شيء».

وقال كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة في حواره لمجلة «أكتوبر» 19 يوليو 1987 في إجابته عن سؤال: هل ترجح وفاة المشير مسموما أم مقتولا؟ فأجاب لا.. المشير مات مقتولا.. ولكن لا أستطيع أن أقول إن عبدالناصر هو قاتله.. عبدالناصر ليس قاتلا، ولكن الزبانية هم الذين قتلوه.. عبدالحكيم أنا أعرفه تماما ليس منتحرا وهذه حقيقة ولم تكن هناك مناسبة لانتحاره مطلقا بل في اليوم الذي ادعوا فيه انه انتحر طلب في الصباح بعض الأشياء من منزله منها ماكينة حلاقة وبعض الكتب فكيف ينتحر؟ والذي يطلب هذه الأشياء لا تكون لديه نية الانتحار وقد أكد صلاح نصر لي أن المشير مات مقتولا وكان «صلاح» يصرخ ويقول: يا ناس أنا علي قيد الحياة، وخائف يقتلوني مثلما قتلوا المشير!

ويقول الفريق يوسف عفيفي أحد الضباط الأحرار وقائد الفرقة 19 في حرب أكتوبر نحن كنا معتقلين في استراحة الهرم لمدة 8 شهور ولم يسمح لنا بالحوار مع أهلنا إلا بعد موت المشير، وهم قالوا إن المشير أخد مادة مخدرة أو سما والآراء كانت كثيرة ومختلفة، ولكن المشير كان بطلا من أبطال الحروب، وكان يعرض نفسه للتهلكة أو الشهادة، ولكنه لا يقدم علي الانتحار أبدا، ولكن «عبدالناصر» كان يهدم فيه ويحاول تحطيم قيمته كقائد.. ويستشهد بما حدث في سوريا عندما طلب السوريون من المشير رفض القرارات الاشتراكية ووافقهم وقال لـ«عبدالناصر» لا داعي لها ولكن «عبدالناصر» أصر عليها فأصبحت صورة المشير مهزوزة وهذا البطل المثقف الذي رقي في حرب فلسطين استثنائيا لا ينتحر.. ولكن المشير حورب حيا وحورب مقتولا!!

إذن.. تحول «عبدالحكيم عامر» من أصدقاء «عبدالناصر» الي أعدائه، ومات «عامر» فحل جميع المشاكل وأنهي جميع الصراعات وأخذ الحقيقة معه إلي قبره.

المصدر: alwafd

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أسرار جديدة حول وفاة عبدالحكيم عامر

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
50682

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

تابع وشارك ثورة 25 يناير على صفحتك في فيسبوك وتويتر الآن:

أخبار مصر الأكثر قراءة

كل الوقت
30 يوم
7 أيام